ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ( 15 ) سورة الأحقافالحمد الله اتم اليوم الأربعين عاما, لحظات تمر علينا كالسحاب بين المولد و مضى العمر و الوفاة. منذ عدة أسابيع وانا افكر كثيرا كيف وصلت إلي سن الأربعين ؟ فهو من كلام الرحمن هو سن الرشد و الشكر و ادراك النعم و الدعوة بالعمل الصالح و التوبة.
تكلمت مع الأصدقاء فمنهم من طمأنني بأن التفكر امر طبيعي و منهم من نصحني بان لا افكر كثيرا و لا داعي للفلسفة و في النهاية استمعت كثيرا و فكرت كثيرا.
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات, و الآية تبدأ بتذكيرك كيف جئت إلي الدنيا و كيف حملتك امك كرها ثم فطمتك و فجأة تجد نفسك عند الأربعين و تكتشف كيف صرت رجلا و له ذرية و تصطدم بواقع الحياة و تدرك ان عملك غير مقبول ان لم يكن ربك راضيا عنه و ان التربية امر عسير تحتاج المعونة و سؤال الله بإصلاح الذرية و انك في النهاية سترتكب ذنوبا و عملك معلق بتوبتك إلي الله.
لو سألوني عند ولادتي ماذا تريد في الدنيا ؟ فلن اطلب اكثر مما حظيت فالحمد لله فقد انعم الله علي و على والدي, و كلما تكبر تدرك ان الرضا أساس السعادة, لا رضا الاستكانة و اليأس و انما رضا بان الله يريد بك خيرا دائما مع حركتك و طلبك و سعيك.
الأولاد نعم لا تحصى و الحمد الله الذي وهبني إياهم, نعم نسعد بهم دائما و يذكرانك كيف تعب والديك في تربيتك و تقويمك. مع ذلك انت نفسك الان لا تعيش معهم فتتذكر ان في النهاية كل منا في النهاية سيمضي وحيدا و سيحاسب وحيدا.
الحمد لله على نعمة زوجتي فهي الصديقة و الحبيبة و كل ما اشتاقت إليه فطرتي.
كونت كثيرا من الصداقات و المعارف في كل انحاء مصر و اسعد كثيرا بتمضية الوقت مع الأصدقاء بين الحين و الآخر و لكنني لست من رواد التجمع الدائم و الاستئناس بالأخرين, فلم اكن للأسف ابدا الصديق الوفي الحميم. دائما ما كانت اولياتي و اختياراتي لدائرة الاسرة و العزلة و هوسي في الحفاظ على الوقت و أفضل ان امضي أوقات فراغي مع زوجتي و اسرتي أو نفسي.
أحب عملي واستمتع به ولا أرى اجمل من ان تحب عملك و تشفى مريضا بأذن الله بل و تشكر و تؤجر أيضا ماديا و في الآخرة إن شاء الله.
أحاول ان أقوم بدوري الاكاديمي قدر الاستطاعة و لازالت أرى مساحة كبيرة للتطور و العطاء و لكن اكثر ما يشغلني هو ان انقل ما تعلمته لغيري و التعاون مع من يكبرني و تقوية جيل جديد و إقامة علاقة عمل صحية قائمة على الاحترام و الاحترافية و المودة.
الكتابة لي هي وسيلة لاكتشاف النفس و التعبير عنها و الانفتاح على الغير و لازال لدي الكثير و الكثير لأكتبه و ما اريد ان اخطه يفوق ما عايشته أو سأعيشه إن شاء الله.
صارت رياضة الركض جزءا من تكويني, فليست الرياضة كما يقال عنها مقولة “العقل السليم في الجسم السليم” فحسب و انما تقوي الروح ايضا.
السياسة عندي هي تيسير حياة الناس و تمكينهم و إقامة دولة العدل. ارتبطت بالسياسية وجدانيا منذ الصغر و كتابة و قراءة و أنا صبي و عملا في الثلاثينات. في هذا العام اتخذت قرارا بالاستقالة من المناصب الحزبية وتخفيف العمل السياسي و بالتالي العبء النفسي. لم أكن لأتخيل للحظة ان أقوم بتلك الخطوة في تلك المرحلة و لكنني خفيف الحركة و لا انظر إلي الخلف و دائما ما انظر إلي الأمام و لا أرى ان هناك عمل يتوقف على أحد و لا أحد مرتبط ارتباط ابدي بأي شيء. وان علينا دائما ان نقف لنقيم وننطلق من جديد. و في تلك اللحظة صار العمل السياسي عبئا نفسيا لم اعد اتحمله وسط ضغوط الحياة و العمل. قد تكون استراحة محارب أو استراحة ابدية و لكن لدي يقين ان السياسة لن تفارقني و ان فارقتها، فأحيانا و انا اركض اشعر انني اركض منها و لحريتي التي لم اجدها في مجتمعنا المهزوم و المقهور و مع ذلك أشعر أيضا انني اركض في حلقة وسط حلقة مكملة أوسع و صورتها اوضح و كأنني اركض في تدبير القدر إلي القدر المحتوم.
لازال لدي الكثير لأقدمه و أريد أن أحققه و لكنني راضيا عن ما حققتْ أوعلى الأقل اشعر انني حاولت و سعيت.
على جميع المستويات كان العام الماضي عاما جميلا, فالحمد لله رب العالمين, اسأل الله التوبة و الهداية و اسألكم الدعاء و المسامحة.