لا اقرا الكثير من الروايات فربما أقرأ رواية أو روايتين في العام. قدرا قرأت الهروب من الذاكرة. و اقول قدرا لان الكتب و الكتاب هم اقدار القراء. فهناك الملايين من الكتب و مئات الألاف من الكتاب و لكن ان تقرأ ذلك الكتاب تحديدا ما هو إلا قدر بحت
فلا يغرنك عقلك بأنه قراره.
قرأت لكاتب الهروب من الذاكرة الاستاذ ابراهيم عبد المجيد ثلاثة كتب من قبل و كلها ليست روايات رغم أنه بالأساس كاتب روائي.
الكتاب الاول عن رحلته مع الكتابة و هو كتاب ما وراء الكتابة؛ الثاني كتاب أنا و السينما و جلي من اسمه موضوعه؛ و الثالث كان اسمه الأيام الحلوة فقط و هو عن الأيام الحلوة التي قضاها الكاتب مع المثقفين و الكتاب. يتضح من اسمه أن الكاتب إختار أن يكتب عن الأيام الحلوة فقط و لا يذكر مساوئ الناس – و هي كثيرة – عكس كثير من الكتاب غيره. يعكس ذلك التوجه في الكتابة شخصية الكاتب و التي اتابعها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
الرواية تقع في ثلاثة أجزاء متساوية لقصة واحدة عن سجين خرج للحرية و محاولاته هو بالأخص و أصدقاءة المساجين للعودة للحياة الطبيعية.
يقع الكتاب في أكثر من سبعمئة صفحة و قد أنتهيت منه في ثلاثة أيام ؛ اذ صادف شراءه بدايتي للاجازة قصيرة ليومين أردت أن استريح فيها لتمتد لبضعة ايام أخرى بعد ان امسكت بالكتاب و وجدت نفسي ترتاح من تعب القاهرة بينما أنا اسير بين صفحاته.
الم اقل لك ان القراءة قدر القارئ.
لربما سرعتي في القراءة ونهمي لكلمات الكاتب صادفه هوى في نفسي و اصابت ذكريات لجيل بأكمله عانى ولازال يتعافى من جراء أحداثها . فهل تتخيل أنه قد فات على ثورة يناير و ما تلاها من أحداث احدى عشر سنة؟
ليس موضوع الكتاب بالأساس ثورة يناير و لا احدثتها على الاطلاق و لكن تماس صفحاتها و شخصياتها مع احداث مررنا بها كلنا في اخر عشر سنوات.
الهروب من الذاكرة؛ و كم منا يريد ان يهرب من ذكرى مرت به أو ذكريات سواء كانت احداث شخصية أو عامة و بالأخص حينما تكون هذه الاحداث صاحبها الاحزان و الانكسار و فجوة الامل و الحقيقة و تحطم الاحلام على جدار الواقع.
الجزء الاول جاء بعنوان العائد إلي البيت في المساء و هو عن خروج البطل من السجن و بدا اعتياده الحياة الجديدة. الجزء الثاني بعنوان طريقان للهروب و هو عن طرق هروب الأبطال من ذاكرتهم كل بطريقته. الجزء الأخير بعنوان لأن في الدنيا نساء. و هي جملة بديعة لكل من خاض او يعيش قصة حب سواء كانت سعيدة او انتهت بنهاية مؤلمة. فيمكنك ان تكمل جملة “لأن في الدنيا نساء” بملايين النهايات. قد تتنوع الكلمات و تقل و تكثر و لكن بالتاكيد لن تخلو من المشاعر. فمجرد ذكر كلمة نساء قد تنساب بعدها كلمات كالحب و الكره، العشق و الهوى، الخيانة و الوفاء، الانوثة و الامومة و كل ما يحمل قاموس اللغة من خليط الغموض و العاطفة و القوة.
اسلوب الرواية سلس و بسيط و في لغة عربية سهلة و ليس به العامية كما يفعل الكثير من الكتاب الجدد. الكاتب ملم بسبل التواصل الحديثة و وظف الشبكات الاجتماعية في توصيل افكار و كلمات على لسان الابطال رغم ان الكتاب مكتوب بطريقة الراوي العالم. كما تستطيع ان تتفهم و ترى خلفية الكاتب من خلال اختيار الشخصيات و أفكارهم و امكان الأحداث.
من منا لم يفكر في الهروب يوما سواء كان الهروب من ذكرى او الهروب من الواقع؛ من منا لم يفكر في سيناريوهات مختلفة في حياته في فرص ضيعها او احلام لم يحققها او الام في الماضي لا يريد ان يتذكرها و يظل يفكر ليلا ماذا لو لم تحدث.
من منا يستسلم لواقعة في اكثر الاحيان و يرضخ بل و يطلب و يتجرع المزيد من الالام يوميا لمواصلة حياته الرتيبة خوفا من التغيير. و قد تتذوق للحظات التغيير و لكن تطوق نفسك إلى الدعى و تطلب المزيد من الركون و السكون و الظلام.
تواكب توقيت الرواية مع رغبتي في الراحة بعد تعب فصارت صفحاتها تنسال بين يدي على ضفاف البحر الرائق ليزيد فوق الجمال جمال.
لربما ليس بالرواية الاروع و لكنها في نظري جميلة و تستحق الجائزة. و هكذا حال الدنيا في الكتب و النساء و كل شيئ.
انها اقدار و ظروف سمحت و ارادة نفذت لتصل بك الي تلك الحالة من التفكر و الهيام و الراحة في الكتاب و النساء و الافكار