fbpx
Categories
Arabic Articles

في معاني الاستقلال

استقلت الدولة، أى تخلصت من الاحتلال أو الهيمنة الخارجية. حينما نقول إن هذا الكاتب مستقل نعنى أنه ليس لديه انتماء سياسى أو حزبى وأنه يجتهد كى يكون حياديا فيما يكتب. حين نصف أحد أبنائنا أنه مستقل نعنى عادة أنه مستقل ماديا أو أنه لا يتأثر برأى غيره فى قراراته بصفة عامة. هذه المؤسسة مستقلة وغير هادفة للربح نعنى بها عادة أنها مؤسسة تعمل للصالح العام، وهذه هى نقابة مستقلة تعمل بمهنية وتدافع عن مصالح أبنائها بعيدا عن السياسة، أمثلة كثيرة وسياقات مختلفة لمعنى الاستقلال.
فإذا جردنا معنى «الاستقلال» من كل السياقات قد نصل لهذا المعنى: الاستقلال هو التخلص من أى تبعية أو مؤثرات خارجية مع اتخاذ قرارات أو القيام بأعمال نابعة من قناعاتك الداخلية ومبادئك محققا طموحاتك وأهدافك.

هناك بعض الأسئلة لابد من طرحها: هل معنى الاستقلال الحرفى مطبق بالفعل على مستوى الفرد أو المؤسسات أو الدولة؟ بشكل عام، على جميع المستويات هناك نماذج طبقت معنى الاستقلال، ولكننا فى مصر كدولة لم نستقل بعد. فنحن لا نملك قوتنا اليومى ولا نستطيع الاعتماد على انفسنا سواء فى غذائنا أو سلاحنا كما أن أمننا المائى مهدد وليس لدينا سيادة كاملة على أراضينا فبالتالى فنحن دولة غير مستقلة لا تستطيع أن تأخذ قراراتها بعيدا عن مؤثرات خارجية. بالطبع هناك مساحات للتحرك السياسى نتحرك فيها ولكننا ندرك أن هذه المساحات محدودة وكلما زادت المساحات زادت معها المخاطر والتبعات.
هل مطلوب الوصول لذلك الاستقلال الحرفى على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول أم ان هناك دوائر انتماء وعلاقات تفرض عليك وضعها فى الاعتبار حين تأخذ قرار أو تقوم بفعل؟
بالتأكيد الاستقلال لا يعنى الاستبداد ولا يعنى الانفصال عن العالم. فعلى مستوى الفرد، فالإنسان عضو مؤثر ومتأثر بدوائر مختلفة سواء بدائرة أسرته أو محيط عمله أو انتمائه لمجموعة أو ناد أو جماعة. كذلك المؤسسة مملوكة لأفرادها أو أعضائها ولكنها غير معزولة عن مجتمعها، مثلها مثل الدولة المصرية. فنحن لا نعيش فى هذا العالم وحدنا كما أن تاريخنا ومصيرنا مرتبط بدوائر انتماءاتنا المختلفة العربية والأفريقية والإسلامية وهكذا.
قرارات وأفعال الأفراد والمؤسسات والدول مرتبطة بترتيب أولويات الانتماءات لكل كيان وهذا الترتيب يدخل فى الوعى والقناعات للأفراد أو فى القانون والدستور للمؤسسات والدول ولا يعد ذلك تأثيرا خارجيا أو إخلالا بالاستقلال وإنما مبادئ ومحددات قيَميّة.
هل يجب أن يسعى الأفراد وأن تسعى المؤسسات والدول نحو تحقيق هذا الاستقلال؟ ما هى دوافع النزعة الاستقلالية وما مثبطاتها ومتى ينتهى هذا السعى وما هى حدوده ومحدداته؟
عند لحظة الولادة لا يملك الانسان من أمره شيئا ويعتمد على أمه اعتمادا كليا ويظن أنه مركز الكون ثم يبدأ فى اكتشاف دوائر انتمائه ودوائر تأثيره. ثم يختلف سعى البعض عن الآخر فى الاستقلال المادى والفكرى، فمنا من يظل معتمدا على غيره ومنا من يسعى منذ الصغر إلى الخروج من دوائر التأثر وتعظيم دوائر التأثير. ثم يبدأ البعض مرحلة الهبوط فيفقدون دوائر تأثيرهم ويشيخون ويزداد اعتمادهم على ذويهم وفى النهاية يرجع الجميع إلى نقطة الصفر فلا يملكون من أمرهم شيئا ويحل الموت على الجميع. والشعوب التى لا تزال تسعى للاستقلال فهى كالأطفال تحبو أما الشعوب التى سكنت فيها المقاومة وارتضت بالخنوع فهى شعوب ميتة.

دوافع الاستقلال والاعتماد على الذات تنشأ فى التربية عند الصغر ويمكن زرعها فى أى وقت بالتعلم ورفع الوعى. كما أن قدرات الناس وفهمهم وخَلقهم يختلف فمنهم من جبل على التحرك والتحرر والاستقلال ومنهم من يركن إلى الكسل والعبودية والتبعية، والمجتمع نتاج أفراده.
فوعى الأفراد وتحركاتهم وسعيهم للاستقلال يشكل وعى المجتمع وسعيه للاستقلال. وحين تستقل الدول من الاستعمار تسعى بشكل مستمر نحو استقلالها الاقتصادى والاعتماد على مواردها المادية والبشرية كما أنها تسعى لفرض سيادتها الكاملة على أراضيها، وأى حائل بينها وبين تملكها لمواردها ومقدرتها هو حاجز بينها وبين استقلال قرارها وأفعالها وفق قيمها ومبادئها.
ولذلك عند ولادة الشعوب من جديد بقيام ثورات أو زوال استعمار عليها أن تدرك أولا أن الاستقواء بالداخل هو أولى خطوات الاستقلال. والاستقواء بالداخل يعنى إدراك أن قوتك فى قوة تلاحم شعبك وتشابك نسيجه. كما على الشعوب إدراك دوائر انتماءاتها ومحيط تأثيرها وأن دائرة الانتماء الأولى هى دائرة الوطن وليس غيرها ثم تليها بعد ذلك الدوائر الأخرى.
ستظل الشعوب فى صراع مستمر نحو الاستقلال ولن تستطيع أن تقوم بنهضة حقيقية وفق مبادئها وقيمها سوى بالاستقلال التام.

أحمد شكري

اقرأ المزيد هنا: http://shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=16102013&id=1823c387-7597-4fb3-a71d-64e413d5c9ed