fbpx
Categories
Arabic Articles

الساسة

منشور بجريدة الشروق ١٨/٧/٢٠١٢

الساسة

الثورة كاشفة والمواقف كاشفة. هناك من الساسة من يعتقد أننا لا نراه وأننا ننسى أو أنه يستطيع أن يخدع الناس بكلامه ولو علموا قاعدة «تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت» ما ارتكبوا هذا الإثم.

تراهم يتخذون موقف النائم أحيانا خوفا من أن تحسب عليهم كلمة أو موقف يخصم من رصيدهم. فإذا سئل أحدهم «من ستدعم من مرشحى الرئاسة؟» لا تجد إجابة مقنعة. «من ستدعم فى الإعادة ؟» لا تجد إجابة، وكأن الناس لا تتابع المواقف أو تنساها. وتراهم احيانا يتلونون طبقا لهواهم فإذا سألت أحدهم «ما هو موقفك من استقلال الإرادة الشعبية ؟» تجد الإجابة «لو حصل هذا الفصيل على الأغلبية سأكون ضدهم ولو على حساب الإرادة الشعبية المستقلة، وماذا لو حصل ذاك الفصيل على الرئاسة ؟ « يجاوب وبسرعة: «فلنتوحد ضده ولنجعله يحمل التركة وحيدا كى يسقط وحيدا ولكى يعلم الناس أننا على حق»، وكل هذا ولو على حساب الوطن. الثورة كاشفة والمواقف كاشفة!

هل للسياسة أسس ومبادئ وأخلاق؟ نعم، فهناك لحظات يكون الانحياز فيها واجبا بل إن الانحياز للحق فرض فى كل حين. وما يقال فى الجلسات المغلقة هو ما يجب أن يقال فى العلن أيضا. فقد ثبت أن الناس يصل إليها فى آخر المطاف كل ما يقال فى السر والعلن ولو بعد حين، فتنكشف حقائق الساسة المتناقضة. فمتى يتعلمون هذا الدرس؟

●●●

يظنون أنهم يستطيعون أن يخدعوا الناس ولكن «سيماهم على وجوههم» و«كل إناء بما فيه ينضح». فإن لم يتكلموا كشفتهم وجوههم وإن نطقوا فمفرداتهم تصرخ بأنهم كاذبون. ولو علموا أن الصدق يخرج من القلب أما الكذب فيخرج من الحلق فلا يصل إلا للهواء ولا يصل للقلب. يخفون ويتلونون ويحاورون ويتناسون أن الله يعلم السر وما أخفى وأن الشعب يراقب ويفرز الميت من الحى بفطرته.

يتكلمون عن تكتيكات واستراتيجيات ولكنهم ينزلون المبادئ منزل المتغيرات ولا يعلمون أنهم لو وضعوا المبادئ موضع الاستراتيجيات ما سرنا هكذا.

ينظرون تحت أرجلهم ولا ينظرون للمستقبل، ولو علموا أن المصداقية والنزاهة والاتساق مع الذات هى رأس مال السياسى عند الناس ما اقترفوا من آثام تكتيكات المصالح الشخصية.

يمارسون السياسة بأهدافهم الخاصة وإظهار فضل بعضهم على بعض ويتكلمون لا لمخاطبة الناس والوصول إليهم وإنما للتأثير عليهم وإيهامهم بأنهم الأفضل ولو بالكذب وتخوين الآخرين.

يرسمون طريقهم السياسى قبل أن يرسموا مستقبل بلادهم، يخططون لأنفسهم قبل أن يخططوا لأولادهم وأخواتهم. يتجمعون على المصالح قبل المبادئ والأفكار، ينظرون إلى التنظيم والفوز والهزيمة قبل إرساء المبدأ والمصلحة العامة.

يتخندقون أحيانا خلف أوهام وأوثان من الأفكار المغلقة صنعوها لأنفسهم عبر عقود ولو علموا أن مساحات التوافق والتسامح والتصالح اكبر بكثير مما يعتقدون لارتاحوا ولأراحوا الناس.

●●●

يختلفون حول معنى السياسة، فيقولون «إن السياسية هى فن الممكن» ولكنهم لو علموا أن السياسية هى «تيسير حياة الناس وإقامة دولة العدل» لاختلف الأمر كثيرا. فيعملون ويجتهدون وهم واضعون أهليهم وذويهم فى أذهانهم وهم يتحكمون فى شئون الخلق.

وهناك من الساسة من يجتهد لينطق بالحق. يبادر ويواجه ويعلن موقفه ولا يهاب أن ينتقص من شخصه فى سبيل كلمة أو موقف يروم به الوطن أو يربط على قلوب الناس. يعلم أن الله يراقبه قبل شعبه، متسق مع نفسه وأهله، المصداقية والثبات هم سلاحه.

سيأتى يوم نرجع فيه إلى الله وسنسأل عن الامانه وماذا فعلنا بها. والسياسة هى من أوسع أبواب الأمانة. فإن أدينا الأمانة وأقمنا العدل سنكرم يومئذ. ولكن إن أضعناها وأفشينا الظلم سنتحسر يومئذ ونندم على كل يوم طلبنا فيه الأمانة وأدعو الله أن أكون ممن يؤدون حقها.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.